"الذكاء الاصطناعي" (AI) في قطاع الكوتشينغ: محاسنه ومساوئه وخطوات تطبيقه


أصبح "الذكاء الاصطناعي" (AI) شائعَ الاستخدام في عدد من القطاعات بدءاً من الرعاية الصحية وصولاً إلى الاقتصاد، ومن المتوقع أن يُحدِث تغييرات جذرية في قطاع الكوتشينغ عمَّا قريب.

بدأ الكوتشز باستخدام الإنترنت للتواصل مع عملائهم في مطلع القرن الماضي، وقد شجع تطبيق "نووم" (Noom) الذي أُطلِق في عام 2012 على إجراء برامج كوتشينغ الصحة عبر الإنترنت، فازدادت شعبية إجراء الكوتشينغ عبر الإنترنت منذ ذلك الحين، وقد بلغت هذه الزيادة نحو 575% بين العامين 2014 و2020.

دخل "الذكاء الاصطناعي" قطاع الكوتشينغ في عام 2015 عندما بدأ استخدام نظام "آي بي إم واتسون" (IBM Watson) في تحليل الشخصيات؛ إذ تفيد أدوات "الذكاء الاصطناعي" في تحليل كميات هائلة من البيانات الخاصة بالعملاء لتحديد دوافعهم وسماتهم الشخصية في زمن قياسي، ويشهد استخدام "الذكاء الاصطناعي" في قطاع التعليم والكوتشينغ تزايداً غير مسبوق.

تتيح تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" للكوتش إمكانية الاستفادة من بوتات الدردشة التي تجيب عن استفسارات العملاء في أي وقت، ويمكن استخدام خوارزميات "الذكاء الاصطناعي" من ناحية أخرى في إعداد خطط كوتشينغ تراعي الاحتياجات والمواصفات الشخصية المطلوبة.

تتيح أدوات "الذكاء الاصطناعي" للكوتش إمكانية مساعدة العملاء والشركات على تحقيق الأهداف التي يطمحون إليها.

هل ستحل أدوات "الذكاء الاصطناعي" مكان الكوتشز؟

يعتقد بعضهم أنَّ تقنيات "الذكاء الاصطناعي" سوف تشغل وظائف المعملين والكوتشز، وتحلُّ مكان البشر في معظم القطاعات؛ إذ كشف أحد تقارير شركة "أكسنتشر" (Accenture) أنَّ 76% من المديرين التنفيذيين في الإدارة العليا يعتقدون أنَّ استخدام "الذكاء الاصطناعي" ضروري لنجاح الأعمال التجارية، فتزداد شعبية تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ بنفس الطريقة.

لقد ازدادت شعبية أدوات "الذكاء الاصطناعي" بنحو 120% في عام 2020، كما أفادت شركة "تراكتيكا" (Tractica) بأنَّ قيمة قطاع "الذكاء الاصطناعي" سوف تبلغ نحو 118.6 مليار دولار بحلول عام 2025.

كشف أحد استطلاعات الرأي أنَّ 67% من الكوتشز يعتقدون أنَّ تقنيات "الذكاء الاصطناعي" تفتقر إلى العواطف الإنسانية التي تبعث على الراحة والأمان.

تقنيات "الذكاء الاصطناعي" فعالة ومفيدة في توفير الوقت والجهد، ولكنَّها لا تغني عن الرابط العاطفي والعلاقة الإنسانية التي يبنيها الكوتش مع العميل، لكن قد يستفيد الكوتش من هذه الأدوات في زيادة فاعلية العمل، ومساعدة مزيد من الأفراد على التعلم والتقدم في حياتهم.

محاسن استخدام "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

فيما يأتي 4 محاسن لاستخدام "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

1. الاستفادة من أدوات تحليل البيانات:

يقدِّم "الذكاء الاصطناعي" أدوات متطورة ودقيقة لتحليل البيانات، ويقوم نظام "آي بي إم واتسون" على سبيل المثال بتحليل البيانات النصية واستخدام النتائج في تحديد السمات الشخصية للأفراد.

يستخدم الكوتشز هذه الأداة لمعرفة مزيد من التفاصيل عن شخصية العميل واستخدام النتائج التحليلية في إعداد برنامج كوتشينغ مخصص للاحتياجات الشخصية.

تتيح نتائج تحليل البيانات للكوتش إمكانية مساعدة العملاء وتحقيق النجاح في قطاع الكوتشينغ، فقد أثبتت إحدى دراسات "جمعية علم النفس الأمريكية" (American Psychological Association) أنَّ استخدام البيانات ساعد على زيادة فاعلية العلاج النفسي بنحو 3 أضعاف.

2. إعداد برامج كوتشينغ مخصصة لاحتياجات العميل:

يجب أن تراعي برامج الكوتشينغ اختلاف الاحتياجات والسمات الشخصية من عميل لآخر، وهنا يكمن دور أدوات "الذكاء الاصطناعي" في إعداد برامج مصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات والطموحات الفردية لكل عميل على حدة.

يُذكَر من هذه الأدوات تطبيق "ترو كوتش" (TrueCoach) الذي يزوِّد المستخدم ببرنامج تدريب يناسب احتياجاته، وتطبيق "دوولينغو" (Duolingo) الذي يراعي اختلاف أنماط تعلُّم اللغات من مستخدم إلى آخر.

بيَّنت الدراسات أنَّ الطالب الذي يستخدم أسلوب تعلُّم مصمم خصيصاً لاحتياجاته الشخصية، يُظهِر تحسُّناً بارزاً في الرياضيات والقراءة، وقد أثبتت "مؤسسة غيتس" (Gates Foundation) أنَّ استخدام مسارات التعلم المخصصة يزيد من فاعلية إجراءات التعلم والتدريب، فيمكن الاستفادة من أدوات "الذكاء الاصطناعي" بنفس الطريقة لتحسين ممارسات الكوتشينغ.

3. توفير الوقت وزيادة فاعلية العمل:

لا يحبذ معظم الكوتشز تأدية الأعمال المكتبية وجدولة المواعيد، وهنا يبرز دور أدوات "الذكاء الاصطناعي" في تخفيف الضغط عن كاهل الكوتش والقيام بهذه المهام المزعجة عوضاً عنه.

يمكن الاعتماد على أدوات "إكس. إي آي" (x.ai) و"كاليندلي. كوم" (Calendly.com) في جدولة المواعيد، وأداة "كوتش أكاونتابل" (CoachAccountable) في إصدار الفواتير وإبرام العقود.

تساعد هذه الأدوات على توفير كثير من الوقت والجهد، بحيث يتسنى للكوتش التركيز على مساعدة عملائه، ويمكن الاستفادة أيضاً من تطبيق "إيفرنوت" (Evernote) في تنظيم الملاحظات والمصادر وإدارة المهام والأرشفة، وأداة "فاثوم" (Fathom) في تسجيل الملاحظات تلقائياً خلال اجتماعات الكوتشينغ التي تجري عبر برنامج "زووم" (Zoom).

4. الاستفادة من تقنيات الكوتشينغ المعزز:

يقدِّم "الذكاء الاصطناعي" تقنيات وأدوات تساعد الكوتشز على تطبيق ممارساتهم، فيمكن الاستفادة من تطبيقات "معالجة اللغة الطبيعية" (NLP) التي يقدِّمها "الذكاء الاصطناعي" في تحليل البيانات النصية والصوتية والاستفادة من النتائج في تحديد مشاعر العملاء، وهذا يعني أنَّ "الذكاء الاصطناعي" يساعد على فهم العواطف الإنسانية، وتحليل تعابير الوجه، وإشارات لغة الجسد.

عرض "الاتحاد الدولي للكوتشينغ" (ICF) نموذج شركة استثمرت "الذكاء الاصطناعي" في ممارسات الكوتشينغ، وذلك عن طريق استخدام بوتات الدردشة، فقد ساعد البوت موظفي الشركة على تحديد أهدافهم ومتابعة تقدُّمهم المهني، كما استفاد الكوتشز البشريون من المعلومات التي قدَّمها البوت في مساعدة الموظفين، وقد أثبتت هذه الطريقة فاعليتها في زيادة مستوى سعادة الموظفين وإنتاجيتهم.

مساوئ استخدام "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

فيما يأتي 3 مساوئ لاستخدام "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

1. غياب التواصل الإنساني:

يعتمد نجاح ممارسات الكوتشينغ اعتماداً أساسياً على التعاطف والتواصل الإنساني، فيشعر العميل بالأمان عند توفير ضمانات الخصوصية والسرية، ولا سيما عند التطرق للعواطف والمخاوف والتحديات الشخصية، فالتواصل الإنساني في هذه المرحلة ضروري لكسب ثقة العميل وحثه على مشاركة مشكلاته.

قد يمتنع العميل عن مشاركة بعض المعلومات الشخصية مع أدوات "الذكاء الاصطناعي"، ويعتمد الكوتش من ناحية أخرى على حدسه وذكائه العاطفي في تحديد الاحتياجات التي يتحفظ العميل عن ذكرها، والاستجابة لعواطفه، وبناء الثقة، وهي ممارسات لا يمكن أن يؤديها "الذكاء الاصطناعي" حالياً.

كشفت نتائج أحد أبحاث "مستشفى ماكلين" (McLean Hospital) وهو تابع لـ "كلية هارفارد الطبية" (Harvard Medical School) أنَّ نجاح الكوتش يعتمد اعتماداً أساسياً على بناء الأواصر الإنسانية مع العملاء، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة مستوى رضى العميل وتحسين نتائج برنامج الكوتشينغ.

أكدت نتائج الدراسة أنَّ التطورات التكنولوجية لا تغني عن الذكاء العاطفي الإنساني في ممارسات الكوتشينغ.

2. عدم ضمان الخصوصية وحماية البيانات الشخصية:

يجمع "الذكاء الاصطناعي" كميات هائلة من البيانات الشخصية الخاصة بالعملاء، لكن ماذا لو تعرضت هذه البيانات للاختراق؟ تجدر الإشارة هنا إلى حادثة الاختراق التي تعرض لها تطبيق "ماي فيتنس بال" (MyFitnessPal) المُطوَّر من قِبل شركة "أندر آرمور" (Under Armour) في عام 2018، فقد أثَّرت حادثة اختراق البيانات في 150 مليون مستخدم.

3. ارتفاع تكاليف تقنيات "الذكاء الاصطناعي":

تقنيات "الذكاء الاصطناعي" باهظة الثمن، ولا سيما إذا كان الكوتش يعمل وحده أو ما زال في بداية مسيرته المهنية في قطاع الكوتشينغ، وقد أفادت شركة "ديلويت" (Deloitte) بأنَّ ارتفاع تكاليف "الذكاء الاصطناعي" يمنع نحو 37% من المؤسسات من استخدام هذه التقنيات، فقد يشعر الإنسان بالعزلة والانقطاع عن العالم عندما لا يستخدم الأدوات التكنولوجية الحديثة في عمله.

تطبيق "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

فيما يأتي 5 خطوات لتطبيق "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ:

1. الاطلاع على أساسيات "الذكاء الاصطناعي":

تقتضي هذه الخطوة جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن موضوع "الذكاء الاصطناعي" عبر قراءة الكتب، وحضور الندوات والمؤتمرات الافتراضية، والتسجيل في الدورات التي تشرح هذه التقنيات.

تقدِّم منصة "كورسيرا" (Coursera) دورة تعليمية ممتازة تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي للجميع" (AI for Everyone)، وهي تشرح مبادئ "الذكاء الاصطناعي" ببساطة دون التطرق للمسائل المعقدة، وقد تستفيد أيضاً من المنتديات، والمدونات الصوتية، ومنصات التواصل الاجتماعي في الاطلاع على تطبيقات "الذكاء الاصطناعي" في قطاع الكوتشينغ.

2. اختيار أدوات "الذكاء الاصطناعي" التي تناسب احتياجاتك:

هذه الخطوة هامة للغاية، وهي تقتضي اختيار الأدوات التي تناسب ممارسات وأهداف الكوتشينغ؛ إذ تساعد أدوات "آي بي إم واتسون" و"تينسور فلو" (TensorFlow) على جمع بيانات العملاء وتحليلها، والاستفادة منها في تحسين ممارسات الكوتشينغ، ويجري العمل في مؤسسة "إيفر كوتش" (Evercoach) على دمج تحليلات "الذكاء الاصطناعي" مع المهارات الإنسانية لمساعدة العملاء على تحقيق أهدافهم.

باختصار، يجب عليك أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الميزات التي تقدِّمها أدوات "الذكاء الاصطناعي"، ومدى موثوقيتها، وفائدتها في تلبية احتياجاتك.

3. إعطاء الأولوية لأمن البيانات:

يجب أن تتحقق من أنَّ أدوات "الذكاء الاصطناعي" التي تستخدمها تتبع معايير "النظام الأوروبي لحماية البيانات" (GDPR)؛ أي ينبغي على الكوتش أن يعطي الأولوية لمسألة حماية البيانات ويوضح لعملائه الأغراض التي تُستخدَم فيها معلوماتهم الشخصية.

تهدف هذه الممارسات إلى طمأنة العميل، فقد رصدت إحدى دراسات شركة "سيسكو" (Cisco) في عام 2021 تزايد قلق ومخاوف العملاء بشأن مسألة خصوصية البيانات أكثر من أي وقت مضى، ويجب إعداد خطة احتياطية للتعامل مع حوادث فقدان البيانات أو تعرُّضها للاختراق.

4. التركيز على المهارات الإنسانية:

يُستخدَم "الذكاء الاصطناعي" استخداماً أساسياً لتحليل البيانات، في حين تشمل المهارات الإنسانية التعاطف مع الآخرين، والإصغاء إلى كلامهم، وتفهُّم مشاعرهم، وتخمين أفكارهم ودوافعهم.

أعلنت شركة "ديلويت" أنَّ المؤهلات المطلوبة للتوظيف سوف تقتصر على المهارات الناعمة في معظم المناصب بحلول عام 2030، ويفتقر "الذكاء الاصطناعي" من ناحية أخرى إلى مهارات الحدس والتفكير الإبداعي التي يتميز بها الإنسان.

5. مواكبة التوجهات السائدة في قطاع العمل:

يشهد "الذكاء الاصطناعي" تطوراً وتنامياً متسارعاً، لهذا السبب يجب أن تواكب تطبيقاته في قطاع الكوتشينغ، ويتم ذلك عن طريق قراءة المجلات، وحضور الفعاليات، والانضمام إلى المجموعات الإلكترونية الخاصة "بالذكاء الاصطناعي".

قد تتفوق على المنافسين في السوق عن طريق مواكبة تقنيات "الذكاء الاصطناعي"، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن كيفية تطبيقها في ممارسات الكوتشينغ وتحقيق أكبر فائدة ممكنة منها.

في الختام:

لقد أحدث "الذكاء الاصطناعي" تغييرات جذرية في جميع القطاعات، لكن يجب عَدُّه وسيلة إضافية تُستخدَم لأغراض معيَّنة ولا تغني عن المهارات الإنسانية الأساسية.

خلاصة القول، يجب التوفيق ما بين تقنيات "الذكاء الاصطناعي" والمهارات الإنسانية عند تطبيق ممارسات الكوتشينغ، مع الحرص على انتقاء الأدوات بعناية، ومواكبة التطورات التي يشهدها كل من قطاعي "الذكاء الاصطناعي" والكوتشينغ.

تجدر الإشارة في النهاية إلى أنَّ نجاح ممارسات الكوتشينغ يعتمد على التواصل الإنساني واستثمار مهارات الحدس والتعاطف، وهي عناصر لا توفِّرها تقنيات "الذكاء الاصطناعي" الحالية.