الدليل الشامل لنموذج غرو للكوتشينغ (الجزء الأول)


أثبت نموذج "غرو" (GROW) فاعليته مراراً وتكراراً، فهو نموذج رائع في تحقيق نتائج محددة تؤدي إلى إنجازات رئيسة؛ لذلك إذا كنت تريد:

  • التعرف إلى نموذج "غرو" وفوائده.
  • التعرف إلى المراحل الأربع لاستعماله.
  • توجيه عملائك لتحديد العقبات والأهداف والحلول.
  • معرفة كيف يمكن للنموذج أن يكمل عملك.

اقرأ هذا المقال بأجزائه الثلاثة لمعرفة كيف يمكنك أنت وعملاؤك استثمار نموذج "غرو" (GROW) لصالحك.

الخطوة الأولى

الأساسيات

توجد الكثير من نماذج التدريب المختلفة في عالم الكوتشينغ؛ بعضها مناسب لتحقيق أهداف محددة، في حين أنَّ بعضها الآخر يناسب خيارات النمو عموماً. ومع ذلك، إن كان هناك نموذج واحد يجب عليك استعماله والتوصية به لعملائك الذين يتلقون الكوتشينغ، فهو نموذج "غرو".

ما هو نموذج "غرو" (GROW)؟

ربما يكون السؤال الأول الذي يخطر في بالك: "ما هو نموذج غرو بالضبط؟". الجواب سهل جداً؛ كلمة "غرو" (GROW) هي اختصار لـ:

  • الأهداف (Goals) التي تريد تحقيقها.
  • الواقع (Reality) الذي تحتاج إلى تقييمه وفهمه لاتخاذ قرار مدروس.
  • الخيارات (Options) والعقبات التي تحتاج إلى التفكير فيها في أثناء اتخاذ هذا القرار.
  • الإرادة (أو المضي قدماً) (Will) لضمان نجاح الخطة في الواقع.

من مظهره، يبدو نموذج "غرو" واضحاً فعلاً. وفي الواقع، هو كذلك؛ وهذا هو السبب في أنَّه يحظى بشعبية كبرى ومفيدة لمجموعة من أساليب الكوتشينغ والعملاء.

كيف يكون هذا النموذج مفيداً؟

على عكس النماذج الأخرى التي نُوقِشت كثيراً، استُعمِل نموذج "غرو" على نطاق واسع منذ الثمانينيات في الشركات، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الكوتشينغ.

فيما يأتي فوائد نموذج "غرو" للكوتشينغ:

1. السهولة

الفائدة الأولى والأهم لنموذج "غرو" هي أنَّه يُعَدُّ أسهل طريقة لتحديد الأهداف وحل المشكلات، ويسمح لأيِّ مستخدم بتطبيق الكثير من التفاصيل والمهارات والمعرفة لكلِّ مرحلة من مراحل العملية وفقاً لاحتياجاته.

2. سجل أداء مُجرَّب

يتمتع نموذج "غرو" بسجل أداء مجرب لأنَّه بسهولة سهل التنفيذ وسهل.

3. القيمة المضافة للوقت

إنَّ إضافة أسلوب "غرو" للكوتشينغ إلى جلساتك ستؤدي إلى نتائج لا مثيل لها مقارنة بالنماذج الأخرى، ومن دون أن تستغرق وقتاً طويلاً.

4. الإيجاز والمرونة

يُعَدُّ هذا النموذج مفيداً للغاية؛ لأنَّه موجز، ويمكن إدراج قوائم ورسوم بيانية ومخططات انسيابية وما إلى ذلك ضمنه؛ وهذا يجعله مرناً جداً. وهذان العاملان هما ما يجعلانه النموذج الأكثر تنوعاً الذي يمكن تغييره بسهولة بحسب احتياجات العملاء وشخصياتهم.

بصفتك كوتشاً، يمنحك نموذج "غرو" الحرية في الكشف عن كل مرحلة من مراحل العملية بأكبر قدر ممكن من التفاصيل، وبحسب ما تراه مناسباً؛ وذلك من خلال توجيه أسئلة متعددة. ونظراً إلى أنَّ العملية الأساسية لنموذج "غرو" تبقى كما هي، فإنَّها تمنح الكوتشز والعملاء الاستقلال الكامل لتحديد مدى الاستفادة منه.

دعونا نتوقف ملياً ونلقي نظرةً على أصل النموذج وتاريخه.

تاريخ نموذج "غرو"

يتمتع نموذج "غرو" بتاريخ رائع جداً مع وجود العديد من المساهمين الذين أضافوا وجهات نظرهم المميَّزة ليبدو على ما هو عليه اليوم. يُنسَب الفضل في المراحل الأولى من النموذج إلى المؤلف "تيم غالوي" (Tim Gallwey) وطريقته "اللعبة الداخلية" (Inner Game).

نموذج "غرو" وعلاقة اللعبة الداخلية

لفهم ما كان يعنيه "تيم غالوي" عن "اللعبة الداخلية"، يجب ابتداءً إثبات بعض الحقائق.

اشتُهر "الدكتور فرويد" (Dr. Freud) بنظرية مفادها أنَّ العقل البشري ينقسم إلى ثلاثة مكونات وهي: "الهو، والأنا، والأنا العليا" (Id, Ego, and Superego). تعمل هذه الأجزاء من النفس البشرية معاً على بناء وتوسيع شخصيات مختلفة؛ وهذا يجعلها أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الشخصيات معقَّدة جداً. يضيف كل مكون خواصه المميزة التي تظهر في مراحل مختلفة من حياتنا بطرائق مختلفة.

"الهو" (Id)؛ هو المكون الوحيد الموجود منذ الولادة؛ إذ يقود الجوانب الأكثر بدائية مثل الاحتياجات والرغبات والإشباع.

تتطور "الأنا" (Ego) من الهو، وهي مسؤولة عن قمع الهو بطرائق مقبولة في المجتمع؛ باختصار، الأنا هي المسؤولة عن التعامل مع الواقع وفهمه ومعالجته.

"الأنا العليا" (Superego) هي "البوصلة الأخلاقية" التي توجه الكثير من القرارات التي تتخذها الأنا.

من المفترض أن تخلق هذه المكونات الثلاثة معاً شخصية متوازنة تتعايش بانسجام مع الأفراد الآخرين في المجتمع. ولكن بصرف النظر عن الأداء الخارجي، فإنَّ هذه المكونات عند دمجها معاً، يكون لها تأثير كبير في تصورنا الذاتي، وهو ما أظهره "تيم غالوي" بدقة في كوتشينغ اللعبة الداخلية.

يقترح غالوي أنَّ الأنا (التي يسميها الذات الأولى) تنتقد وتقلق وتحكم وتخشى وتندم وتشك في قدراتنا باستمرار، وهذا يؤثر في أداء الذات الثانية وقدراتها الطبيعية، التي تمثل الفاعل.

الذات الأولى والذات الثانية في حالة حرب مستمرة مع بعضهما بعضاً؛ وهذا يمنعنا من تحقيق إمكاناتنا الكاملة. ومع ذلك، باستعمال الكوتشينغ المناسب، تقترح "اللعبة الداخلية" أنَّ البشر يمكنهم تحقيق النتائج التي يريدونها، فضلاً عن اكتشاف طريقة تناسبهم.

في النهاية، غيَّر المساهمون الآخرون الذين تعلَّموا وتدربوا تحت قيادة "غالوي" اسم النموذج وجعلوه النموذج الأكثر واقعيةً. لقد توصلوا إلى اسم "غرو" (GROW) كاختصار لتذكُّره بسهولة وإظهار الخطوات التي يجب استعمالها بالترتيب لتحقيق الإمكانات الكاملة.

كيف يمكن استعمال نموذج "غرو" للكوتشينغ؟

الطريقة الأولى لاستعمال هذا النموذج هي أن تخبر العملاء بأن يفكروا في الأمر على أنَّه يشبه التخطيط لرحلة ما. في البداية، سيحتاجون إلى تحديد المكان الذي يريدون الذهاب إليه (أي تحديد أهدافهم)، ثم معرفة مكانهم الحالي (أي الواقع)، ثم التحقق من المسارات العديدة (أو الخيارات) إلى وجهتهم، والتفكير في العقبات التي تعترض طريقهم.

الإرادة هي الخطوة الأخيرة؛ إذ سيحاول العملاء ترسيخ فكرة ما إذا كانوا ملتزمين بهذه الرحلة، ومستعدين للتعامل مع العقبات التي قد يواجهونها على طول الطريق. ستكون وظيفتك بوصفك كوتشاً هي توجيه وتقديم المنتورينغ إلى عملائك خلال هذه العملية.

يجب عليك التأكد من أنَّك لا تتدخل أو تحفز عملاءك في أيِّ مرحلة، وبدلاً من ذلك، اطرح أسئلة موجَّهة لجعل عميلك يفكر في الاتجاه الصحيح؛ إذ إنَّ الغرض من نموذج "غرو" هو مساعدة أنفسهم على تحقيق التوازن بين الذات الأولى والذات الثانية في داخلهم، وليس أن تفعل أنت ذلك من أجلهم.

يمكن استعمال نموذج "غرو" في أيِّ مرحلة من مراحل الكوتشينغ، وحتى في مراحل متعددة مع أهداف متعددة. كما يمكن استعماله في جميع أنواع الكوتشينغ؛ لأنَّ جميع الناس يواجهون صراعاً بين الذات الأولى والثانية في مراحل مختلفة في حياتهم.

سيساعد استعمال نموذج "غرو" للكوتشينغ العملاء على إيجاد التوازن بين الذات الأولى والثانية.

الخطوة الثانية

المراحل الأربع لاستعمال نموذج "غرو"

من الهام تحديد مدة تنفيذ النموذج مع العميل. يمكنك التخطيط لجلسة واحدة لكلِّ مكون من المكونات الأربعة للنموذج؛ وهذا ما يمنحك على الأقل أنت والعميل الوقت الكافي لمناقشة كل خطوة من الخطوات والعمل عليها بفاعلية.

لنقسِّم ما يجب عليك القيام به مع عميلك في كل جلسة.

المرحلة الأولى: تحديد الهدف

تحتاج ابتداءً إلى التحدث مع عميلك لفهم الأهداف المختلفة التي يرغبون في تحقيقها، سواءً في المستقبل القريب أم في المستقبل البعيد. وبعد معرفة أفكارهم ووضع بعض الأهداف، تحتاج أنت وعميلك إلى تحديد الهدف الذي ترغب في التعامل معه أولاً؛ إذ سيساعدك ذلك في الحفاظ على تركيزك ومنهجيتك.

لماذا تحديد الهدف أمر هام؟

في الكوتشينغ، نركز على العمل والتغيير من خلال منح العملاء الوضوح؛ لذا يجب تطبيق نموذج "غرو" من خلال تذكُّر ذلك باستمرار.

إذا كان عميلك يتحدث كثيراً، فإنَّ تحديد هدف سيساعد على إعادته إلى الموضوع ومنع خروجه عنه. من جهة أخرى، إذا لم يكن عميلك ثرثاراً أبداً، فإنَّ تحديد الأهداف يمكن أن يساعده على التحدث.

الأخطاء الشائعة في أثناء تحديد الأهداف

تُعَدُّ الأهداف أهم خطوة في نموذج "غرو"، ومن ثمَّ أنت تحتاج إلى قضاء أكبر قدر من الوقت في تحديد الهدف المناسب. كما يمكنك تحديد أهداف "ذكية" (SMART) للحصول على أفضل النتائج.

وتُعرَف كلمة (SMART) على أنَّها اختصار للمفردات: "محددة" (Specific)، و"قابلة للقياس" (Measurable)، و"يمكن تحقيقها" (Attainable)، و"ذات صلة" (Relevant)، و"محددة بزمن معيَّن" (Time-based).

سيساعدك تحديد أهداف ذكية أنت وعميلك على البقاء في المسار الصحيح، والتأكد من أنَّ الهدف يتحقق بالفعل.

بعض الأخطاء الشائعة في أثناء تحديد الأهداف هي أنَّها واسعة جداً أو محددة جداً أو غير ذات صلة أو ذات نظرة محدودة. وأسهل طريقة لتجنب هذه الأخطاء هي التركيز على أهداف ذكية وكتابتها بانتظام.

يمكنك أيضاً عرض هذا الهدف في كل جلسة حتى تبقى في المسار الصحيح. ومن أسهل الطرائق لفهم ما إذا كان عميلك قد حدد هدفاً خاطئاً، هو ملاحظة فيما إذا كانت جلساتك تدور في حلقات مفرغة، أو تستغرق وقتاً طويلاً، أو تبتعد عن المسار الصحيح.

إذا حدث هذا، فتوقف ملياً وأعِد تقييم الهدف حتى لا تهدرا وقتكما أنت وعميلك.

22 سؤالاً موجهاً لتحديد أهداف قابلة للتنفيذ

ما هي الأسئلة التي يجب طرحها لقيادة العميل نحو تحديد الهدف الأفضل؟ يمكنك طرح هذه الأسئلة في جلساتك لمساعدة عميلك في العثور على أفضل الأهداف:

أسئلة تستند إلى النتائج:

  1. ابحث بعمق واسأل نفسك ماذا تريد حقاً؟
  2. ما هي النتيجة المحددة التي تبحث عنها؟
  3. ما هو الألم الذي ستشعر به إن لم تحقق هذا الهدف؟

أسئلة تستند إلى القيمة

  1. هل يخبرك حدسك أنَّ هذا الهدف يتوافق مع رؤيتك لحياتك المثالية؟
  2. هل تعرف قيمك، وهل يتفق هذا الهدف معها؟
  3. هل الأهداف أمر تريده حقاً، أم أنَّها شيء تعتقد أنَّه يجب عليك القيام به؟
  4. عندما تفكر في هدفك، هل يمنحك شعوراً بالمضمون أو السعادة أو الرضى أو الحماسة أو الصواب؟
  5. إذا تمكنتَ من تحديد هدفك الآن، فهل ستسعى من دون تفكير إلى تحقيقه؟
  6. هل هذا الهدف يتناسب مع حياتك الحالية ومع نمط حياتك؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، فكيف؟
  7. هل يؤثر سلباً في وقتك أو جهودك أو التزاماتك أو الأشخاص الآخرين في حياتك؟

أسئلة تستند إلى العقبات

  1. هل يمكنك أن تبدأ بتحقيق هذا الهدف أو النتيجة مالياً وعاطفياً وجسدياً، وتحافظ عليه؟
  2. كيف ستؤثر محاولة تحقيق هذا الهدف في الجوانب الأخرى من حياتك؟
  3. ما هو الجانب الجيد الذي يجعلك سعيداً بشأن وضعك الحالي؟ وكيف يمكنك الحفاظ على هذه الجوانب الجيدة مع الاستمرار في إجراء التغيير؟
  4. ما الذي قد يتوجب عليك التخلي عنه لتحقيق هذا الهدف؟ وهل أنت موافق على ذلك؟
  5. إذا كان يوجد أمر هام يتعلق بتحقيق هذا الهدف (لمساعدتك على النجاح، أو أمر قد يقف في طريقك) لم تذكره بعد، فما هو؟
  6. من يجب أن تكون لتحقيق هذا الهدف، وما هي نقاط قوَّتك التي يمكن أن تساعدك على تحقيق هذا الهدف؟

أسئلة ترتبط بحجم الهدف

  • هل هدفك هو المناسب للعمل عليه؟ وهل هو كبير جداً؟ إذا كان كذلك، فقسِّمه إلى أهداف أصغر. وهل هو صغير جداً؟ إذاً أدرجه ضمن هدف أكبر.
  • ما هو الحد الأدنى لمستوى الهدف الذي يجب تحقيقه ليجعلك سعيداً؟
  • ما هو مستوى الهدف الذي ترغب في تحقيقه؟
  • ما هو المستوى الاستثنائي لهدفك لتحقيقه؟

الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف

  • ما هي الموارد التي تمتلكها بالفعل لمساعدتك على تحقيق هدفك؟ على سبيل المثال، الأشياء والدعم من الأشخاص، وجهات الاتصال، والصفات الشخصية، والمعرفة، والمهارات، والمال، والوقت، وغير ذلك.
  • ما هي الموارد التي تحتاج إليها لمساعدتك على تحقيق هدفك؟

قد يبدو تحديد الهدف عملية طويلة، لكنَّها الأهم؛ إذ سيؤثر الهدف الذي يحدده العميل في فاعلية نموذج "غرو". خصِّص الوقت الكافي أنت وعميلك للعثور على الهدف المناسب وتحديده؛ لأنَّه سيحدد مسار الخطوات التالية مع العملاء.

الخلاصة

لقد تحدثنا في هذا الجزء من المقال عن خطوتين؛ إذ تضمنت الخطوة الأولى الحديث عن معنى نموذج "غرو" وفوائده وتاريخه، ثم تحدثنا قليلاً عن نظرية "فرويد" ومكوناتها الثلاثة، ثم تطرقنا إلى الحديث عن طريقة استعمال نموذج "غرو"؛ أمَّا في الخطوة الثانية فتحدثنا عن مراحله، وبدأنا الحديث عن المرحلة الأولى التي تتضمن تحديد الأهداف والأخطاء الشائعة عند تحديدها، وطرحنا 22 سؤالاً هاماً لتحديدها.

وسنتابع الحديث في الأجزاء القادمة عن بقية المراحل وغيرها من المعلومات.