استخدام برامج الكوتشينغ والمنتورينغ في إعداد القادة الجدد


تجري العادة أن يشعر المدير بالإرهاق والإحباط عندما يتسلَّم منصب الإدارة لأول مرة في حياته، وقد يظنُّ أنَّ المهارات والمواهب التي ساهمت في نجاحه وترقيته لا تؤهله لمزاولة المنصب الجديد، كما أنَّه يواجه صعوبة في تغيير طريقة تعامله مع زملائه السابقين بعد أن أصبح مديرهم، وتراه مرهقاً وغارقاً بالعمل طوال الوقت لأنَّه لا يعرف كيف يوزِّع ويفوِّض المهام.

يمكن أن يستفيد المدير الجديد من خبرات وتجارب القادة المخضرمين القدامى في المؤسسة ممَّن واجهوا نفس التحديات في الماضي؛ لذا يجب تأهيل مجموعة من القادة المتمرِّسين عن طريق تزويدهم بالمهارات والتقنيات اللازمة لمساعدة القادة الجدد عند تسلم المناصب الإدارية لأول مرة في حياتهم.

يصبح القائد القديم وفق هذه المنهجية بمنزلة كوتش ومنتور، وهو ما يؤدي إلى إنشاء ثقافة تشجع على تأهيل الخبراء والاختصاصيين والقادة باستمرار، وتضمن حصولهم على الدعم اللازم للتكيف مع التغييرات الوظيفية بسلاسة وسرعة، كما تشجع ثقافة المؤسسة في هذه الحالة على التعاون والعمل المشترك.

الفرق بين الكوتشينغ والمنتورينغ:

تتشابه وتتقاطع إجراءات الكوتشينغ والمنتورينغ في بعض الحالات، فيمكن أن يكون القائد كوتشاً ومنتوراً في آنٍ معاً، ولكن ثمة فروقات واضحة في وظيفة ودور كل من اللقبين؛ لذا يجب أن يدرك الكوتش، والمنتور، والموظف الذي يتلقى المساعدة الفروقات ما بين اللقبين.

يركِّز الكوتشينغ على رفع سوية الأداء الوظيفي الحالي عن طريق مساعدة الفرد على التعامل مع المشكلة أو الصعوبة التي يتعرض لها.

يركِّز قادة الموارد البشرية على الكوتشينغ التنفيذي لأنَّه يساعد القادة على تنمية الوعي الذاتي، ويقدم التحدي والدعم، ويوجه التغيير على مستوى المؤسسة، ويمكن توظيف مهارات الكوتشينغ في جميع مستويات المؤسسة عن طريق إجراء المحادثات الضرورية، وبوسع جميع القادة تنمية هذه المهارات.

يركِّز المنتورينغ من ناحية أخرى على المسار المهني، وهو لا يُعنَى بمساعدة الموظف على حل المشكلات التي يواجهها، وإنَّما يدعمه ويحاول تعزيز قدراته، ويرشده، ويقدم له النصائح، ويعطيه فكرة عن كيفية التعامل مع المشكلات التي يمكن أن يتعرض لها في المستقبل المنظور.

يمكن أن يستخدم المنتور منصبه في دعم ورعاية المستفيد من المنتورينغ ومساعدته على إحراز التقدم المهني وترشيحه للترقيات، وتوجيهه إلى الفرص المتاحة، وتحذيره من المخاطر المحتملة، وقد ينقل المنتور خبراته ومعارفه لمتلقِّي المنتورينغ ويساعده على بناء شبكة اجتماعية مهنية.

يجب أن يعمل القائد على تنمية مهارات الكوتشينغ والمنتورينغ لكي يزيد من اندماج الموظفين ويحافظ على وجود المواهب وتنميتها ضمن المؤسسة.

تطبيق برامج الكوتشينغ والمنتورينغ:

تعلُّم القيادة هو تجربة شخصية بحتة، لهذا السبب يجب مساعدة القائد الناشئ على تنمية شخصيته وتوجيهه ودعمه من قبل الكوتشز والمنتورز.

يمكن أن تكون برامج الكوتشينغ والمنتورينغ جزءاً أساسياً من سياسة الشركة وثقافتها الرسمية، أو قد تكون غير رسمية وتهدف إلى تحقيق أهداف يُتَّفق عليها.

إنشاء ثقافة الكوتشينغ:

تشجع ثقافة الكوتشينغ على تقديم التغذية الراجعة وإجراء المحادثات المهنية الهادفة والنزيهة في جميع أقسام ومناصب المؤسسة، بهدف تعزيز التعاون، والتفاهم، والتوافق بين جميع العاملين.

يمكن الاستفادة من المحادثات في تنمية مهارات القيادة عندما تُجرى بشكل صحيح.

إليك فيما يأتي 4 خطوات لإجراء محادثات كوتشينغ ومنتورينغ فعالة:

1. الإصغاء إلى الموظفين بغية فهم وجهات نظرهم:

يجب أن يحاول المشرف معرفة أهداف وخطط زملائه عند إجراء المحادثات معهم، فلا تهدف هذه المحادثة إلى دعم خطط الزملاء أو الموافقة عليها، بل هي تقتضي الإصغاء بغية فهم الحقائق والمشاعر والقيم وحسب.

2. طرح أسئلة هادفة:

يمكن الاستفادة من المحادثات في الكشف عن وجهات النظر والأفكار الجديدة عن طريق طرح أسئلة هادفة تساعد الطرف الآخر على توسيع مداركه وآفاق تفكيره، ويجب تشجيع الكوتشز على طرح أسئلة تبدأ بالكلمات الاستفهامية "ماذا"، و"كيف" بهدف الكشف عن المشاعر والقيم التي تحفز عمليات التفكير والتحليل.

3. تحقيق التوازن بين التحدي والدعم:

لا يعني الإصغاء لكلام المتحدث أن توافق عليه، بل أن تفهم وجهات نظره، فقد يعرب المشرف عن دعمه ومساندته عن طريق إعادة صياغة الحقائق والقيم التي يشاركها الموظف، فيمكن أن يطرح المشرف أسئلة صعبة تتحدى أفكار ووجهات نظر الموظف وتدفعه إلى الكشف عن افتراضات غير مدروسة عند توفير بيئة آمنة تشجع على الثقة المتبادلة بين الطرفين.

4. توضيح القرارات والإجراءات الفعلية المستخلصة من المحادثة في نهايتها:

يمكن أن يحفز المشرف شعور الموظف بالمسؤولية عن طريق تحديد إجراءات العمل في المرحلة المقبلة، فيكفي تحديد إجراء عملي بسيط يبين للموظف أنَّ المشرف يقدِّر الحقائق والعواطف التي شاركها معه ويعتزم الاستفادة من المحادثة في اتخاذ تدابير مستقبلية.

بيَّنت الأبحاث أنَّ الموظف في بداية حياته المهنية يميل للتحفظ عن وجهات نظره وأفكاره، وعندما يعمد المشرف أو الكوتش إلى إجراء محادثات هادفة مع أعضاء الفرق الجدد، فهذا يعني أنَّه يقدِّر أفكار ووجهات نظر جميع العاملين في المؤسسة حتى لو كانوا في بداية مسارهم المهني.

يجب على قادة المؤسسات إجراء نقاشات هادفة بخصوص القضايا الحساسة مثل التنوع، والمساواة، والاندماج من أجل تكوين فكرة واضحة ودقيقة عن أعضاء فريق العمل والتحديات الماثلة أمامهم والفرص المتاحة لهم.

متطلبات نجاح المنتورينغ:

يركز المنتورينغ على المسائل المستقبلية بخلاف الكوتشينغ الذي يُعنى بمعالجة المشكلات الراهنة؛ وهذا يعني أنَّ نجاح برامج المنتورينغ يشترط إعداد خطط استراتيجية دقيقة ومدروسة.

يمكن تعريف المنتورينغ على أنَّه علاقة تنموية هادفة بين شخص خبير على قدر عالٍ من العلم والمعرفة، وآخر أقل خبرة ومعرفة منه؛ ما يعني أنَّ المنتور هو الخبير الأكبر سناً الذي يوجه الموظف الأصغر والأقل خبرة في غالب الأحيان، وتتم عملية المنتورينغ بشكل معاكس للنموذج المذكور آنفاً في حالة المنتورينغ العكسي.

إليك فيما يأتي 5 نصائح لإعداد وتطوير برامج المنتورينغ ضمن المؤسسة:

1. حدِّد أهداف وإجراءات منتورينغ مدروسة:

يجب عليك أن تحدد أهداف إجراءات المنتورينغ وكيفية احتوائها ضمن الخطط والجهود التنموية على مستوى المؤسسة قبل أن تجمع المنتورز مع المستفيدين من المنتورينغ.

عليك أن تفكر في التغييرات الديموغرافية المتوقعة في المؤسسة في السنوات المقبلة، ويجب أن تشمل هذه الدراسة الديموغرافية إجابات وافية عن الأسئلة الآتية: من سيتقاعد خلال السنوات الخمس المقبلة؟ من سيملأ هذه الشواغر؟ كيف سيندرج برنامج المنتورينغ ضمن استراتيجيات قسم الموارد البشرية وخطة العمل على مستوى المؤسسة؟

2. حاول أن توظف القادة في برنامج المنتورينغ:

تتميز برامج المنتورينغ الناجحة بمشاركة القادة والمديرين التنفيذيين في تطبيقها، ومن ثم يجب عليك أن تحدد أهداف برنامج المنتورينغ، وتوضحها، وتعلن عنها، وتقتضي الخطوة التالية تحديد المشاركين في تطبيق البرنامج من المديرين التنفيذيين، ومشرفي الفرق، وغيرهم من العاملين في المؤسسة.

3. لا تتوسع في البرنامج من البداية:

يستغرق اختيار المنتورز وجمعهم مع المستفيدين من المنتورينغ بعض الوقت؛ لذا يجب عليك أن تستفيد من الخبرات المكتسبة في بداية البرنامج عند توسيع نطاقه وتطبيقه على عدد أكبر من الأفراد، وأن تحرص على ضم مجموعة متنوعة من القادة من كافة الأدوار والمناصب والمستويات الوظيفية إلى برنامج المنتورينغ، وتشدد على موضوع السرية بغية بناء الثقة.

4. درِّب المنتورز والمستفيدين من المنتورينغ:

يجب أن تزود كل من المنتور والمستفيد من برنامج المنتورينغ بالمهارات اللازمة لبناء علاقة وطيدة وإجراء محادثات هادفة، وقد لا يتمتع القادة بالمهارات اللازمة لإجراء المنتورينغ، لهذا السبب يجب أن تحرص على تدريبهم.

كما أنَّ تخصيص الوقت والموارد للتدريب يبيِّن أنَّ قيادة الشركة تقدِّر برنامج المنتورينغ وتأخذه على محمل الجد؛ لذا يجب عليك أن تحدد إجراءات دعم المنتورز في أثناء إعداد برنامج المنتورينغ ومساعدتهم طوال فترة البرنامج.

5. قيِّم احتياجات المؤسسة والموظفين، وشارك نجاحات البرنامج:

يجب عليك أن تحدد أولويات المؤسسة والمشاركين في برنامج المنتورينغ، إضافة إلى احتياجات شركاء المنتورينغ، وقسم الموارد البشرية، وقادة المؤسسة، ويُفضَّل أن يُعلَن عن النجاحات الأولية عند تطبيق البرنامج من أجل زيادة الحماسة وتحفيز المشاركين.

في الختام:

عندما يحصل الموظف على ترقية ويشغل منصباً قيادياً أو إدارياً لأول مرة في حياته، فإنَّه يمكن أن يواجه بعض الصعوبة، وقد لا يتلقى الدعم الذي يحتاج إليه لإجراء هذه النَّقلة بسلاسة ونجاح.

يعاني القادة الجدد عندما لا يحصلون على الدعم اللازم، وهو ما يؤثر سلباً في أدائهم وفي إنتاجية أعضاء الفرق، ومستويات الاحتفاظ بالموظفين وسلسلة القيادة، وعائدات الشركة في نهاية المطاف.

يؤدي المدير الجديد دوراً محورياً في التعاقب الوظيفي وتنمية المواهب، لهذا السبب يجب على المؤسسات مساعدة المديرين الجدد في التكيف مع المنصب الجديد عن طريق تقديم دورات تدريبية تلبي احتياجاتهم، وتنظيم برامج منتورينغ مؤسساتية تدعمهم في هذه المرحلة.